القدس

يُظهر تقرير إحصائي صادر عن شبكة "القدس البوصلة" عن تصاعد اعتداءات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى خلال عام 2022 لتسجل ارتفاعاً عن العام 2021.

اشتعلت ساحة القدس على عدة جبهات، فسجلت 19 شهيداً ومئات المعتقلين والمبعدين والمقتحمين لساحات المسجد الأقصى.

وشهد الربع الأخير من العام أحداثا استثنائية تمثلت بعودة عمليات التفجير التي غابت عن المدينة منذ سنوات الانتفاضة الثانية، وفيها سطع نجم الشهيد المقدسي عدي التميمي الذي طارد وطورد على مدار 12 يوما قبل أن يرتقي بعد تنفيذه عمليتي إطلاق نار.

عامٌ شهد رحيل الصحفية المقدسية شيرين أبو عاقلة، وسرقة "بستان الحمراء، وتواصل السعي لسرقة وادي الربابة. 

 

شهداء

قتل جيش الاحتلال 19 مقدسياً خلال عام 2022، وبينما سُلمت جثامين بعضهم ما زال صقيع الثلاجات يقض مضاجع أهالي البعض الآخر ممن ترفض سلطات الاحتلال تسليمهم.

وتشير الإحصائيات التي يوثقها المحامي المقدسي محمد عليان إلى أن عدد الجثامين المحتجزة لشهداء محافظة القدس منذ "هبّة القدس" التي اندلعت أكتوبر 2015 بلغ 15 شهيدا حتى الآن.

ومن بين شهداء القدس، الصحفية المقدسية مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي قلتها قناص إسرائيلي في مخيم جنين شمال الضفة الغربية.

 

انتهاكات استثنائية في الأقصى

لم تقتصر الاعتداءات على أولى القبلتين على اقتحامات المستوطنين الضخمة وسعيهم لتحقيق مكاسب للجماعات المتطرفة التي ينتمون إليها، بل تعدت ذلك إلى إطلاق العديد من التصريحات المتطرفة التي وصلت إلى حد الدعوة لهدم مصلى قبة الصخرة المشرفة لبناء الهيكل المزعوم مكانها.

وبلغ عدد مقتحمي الأقصى خلال المناسبات والأعياد الدينية الإسرائيلية أكثر من 54201 مقتحم، رافق اقتحامهم انتهاكات كثيرة أبرزها الاقتحام من باب الأسباط لأول مرة منذ عام 1967، إضافة لطقوس تلمودية ورفع العلم الإسرائيلي بشكل جماعي ونفخ البوق.

وفي سابقة خطيرة أعلنت وزارة القضاء الاحتلالية بدء عملية تسجيل ملكية الأراضي الملاصقة لسور الأقصى وبالتحديد في منطقة القصور الأموية جنوبا في السجل العقاري (الطابو) الإسرائيلي.

 

ترميمات ممنوعة ومشاريع معطلة

ككل عام لم تتمكن لجنة الإعمار التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية من ممارسة عملها اليومي بشكل طبيعي داخل الأقصى، إذ أعاقت شرطة الاحتلال ترميم التشققات في أرضية الممر الواصل بين بابي الغوانمة والمغاربة داخل المسجد.

وأدت التشققات القديمة وحفريات الاحتلال أيضا لتكرار حوادث تساقط الحجارة والأتربة من السور الجنوبي للمسجد الأقصى داخل مصلى الأقصى القديم.

ومع استمرار منع أعمال الترميم تسربت مياه الأمطار إلى مصليي باب الرحمة والمرواني، وإلى انفجار أنبوب مياه في منطقة باب المجلس وتسربها من أسفل البلاط في محيط مصلى قبة الصخرة المشرفة في ظل منع دائرة الأوقاف من تجديد شبكة المياه الخاصة بالمسجد، والتي لم ترمم ولم تستبدل منذ احتلال القدس عام 1967.

 

الاعتداءات طالت الموتى

طالت اعتداءات المتطرفين أيضا مقبرة باب الرحمة الإسلامية الملاصقة لسور المسجد الأقصى من الناحية الشرقية، حيث تعمدوا اقتحامها والدوس على القبور مرارا.

ولتحقيق مكاسب سياسية لجأت شخصيات بارزة من بينها الحاخام المتطرف يهودا غليك لاقتحام المقبرة ونفخ في البوق بين قبورها، وتعمد وغيره تكرار النفخ في البوق بداخلها بعد قرار لمحكمة الصلح الاحتلالية بالسماح بممارسة هذا الطقس في هذا المكان.

وبمجرد صدور هذا القرار تدفق عشرات المتطرفين إلى المقبرة ونفخوا في البوق وقدموا القرابين النباتية الخاصة بعيد المظلة (العُرش) بداخلها.

 

مشاريع استيطانية ومجزرة هدم مستمرة

لم يتوقف طيلة العام الإعلان عن المصادقة أو عن طرح مشاريع استيطانية جديدة بما فيها بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في عدة أحياء بالقدس أبرزها شعفاط والعيساوية وبيت صفافا وبيت حنينا ورأس العامود، وأحد المشاريع التي أعلن عنها تستهدف 4 قرى مقدسية مهجرة هي لفتا وصطاف ووادي صرار وعين كارم ببناء 6 آلاف وحدة استيطانية جديدة على أراضيها.

ومقابل الإعلان عن بناء مزيد من الوحدات السكنية لصالح المستوطنين استهدفت أنياب جرافات الاحتلال ممتلكات المقدسيين بالهدم طيلة العام حيث سجلت 176 حالة هدم بينها 69 حالة هدم ذاتي قسري.

 

عام الاعتقالات الجماعية والعقوبات التعسفية

اعتقلت قوات الاحتلال خلال عام 2022 (2996) مواطنا من القدس، وسجل هذا الرقم ارتفاعا بنسبة (20%) عن عام 2021 الذي وثقت فيه شبكة ميدان القدس الإعلامية 2488 حالة اعتقال، وهو رقم أعلى بنسبة 26% عن عام 2020 الذي سُجلت فيه 1979 حالة اعتقال وفقا لبيانات مركز معلومات وادي حلوة.

وشهد شهر نيسان/أبريل أعلى معدل اعتقال خلال عام 2022 بواقع 775 مقدسيا، اعتقل 476 منهم من داخل المصلى القبلي بعد الاعتداء عليهم بشكل جماعي خلال شهر رمضان المبارك، وأفرج عن هؤلاء لاحقا بعد تسليمهم أوامر بالإبعاد عن المسجد الأقصى.

وأصدر الاحتلال 808 قرار إبعاد بحق مقدسيين، بينهم 674 حالة إبعاد عن المسجد الأقصى، فيما قرر الحبس المنزلي لـ 217.

ومن أبرز المبعدين، المحامي المقدسي صلاح الحموري الذي كان يقبع في سجون الاحتلال رهن الاعتقال الإداري لمدة تسعة أشهر قبل أن يصدر قرار بترحيله من فلسطين إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها بشكل نهائي.

 

عمليات التفجير مجددا

ومن أبرز العمليات الفدائية في القدس خلال العام ذاته، وقوع انفجارين غربي القدس نجما عن تفجير عبوتين ناسفتين عن بُعد أدتا إلى مقتل مستوطنين اثنين، وإصابة 22 آخرين بجروح متفاوتة.

جاءت العملية بعد نحو شهر من استشهاد الشاب عدي التميمي الذي أربك الاحتلال بعملية على حاجز شعفاط حيث ترجل من سيارة كان يستقلها، وأطلق عدة رصاصات بشكل مباشر تجاه جنود الاحتلال، قبل أن ينسحب من المكان دون أن يُطلق عليه رصاصة واحدة، وبعد أسابيع من المطاردة والبحث عنه، يعود لهم التميمي عند مستوطنة معاليه ادوميم ليهاجمهم من جديد قبل أن يستشهد.

 

الشيخ جراح تصدر المشهد

انتقلت المعركة من الشق الشرقي في حي الشيخ جرّاح إلى الغربي المعروف فلسطينيا بـ "أرض النقاع" مطلع عام 2022، وبدأت مع تكرر اقتحام المتطرفيْن إيتمار بن غفير وآرييه كينج الحي مع مجموعة من المستوطنين في محاولة للاستيلاء على أرض عائلة سالم المهددة بالإخلاء.

وتصاعدت حدة الهجمة على الحي خلال شهر شباط/فبراير بعد اشتعال النيران في البؤرة الاستيطانية الواقعة قرب عائلة سالم واتهام السكان بحرقها، وعلى إثر ذلك قرر المتطرف بن غفير نقل مكتبه إلى أرض هذه العائلة لحماية المستوطنين بالحي حسب ادعائه.

ومع نقل مكتبه تحول الشق الغربي إلى ثكنة عسكرية بعد تطويق محيط منزل عائلة سالم المهددة بالإخلاء بالسواتر الحديدية ومنع المقدسيين من الوصول لها، بينما سُمح لبن غفير بنصب مكتبه وللمستوطنين بالدخول والخروج دون تضييقات.

سُجلت عشرات الإصابات خلال مواجهات عنيفة استخدمت قوات الاحتلال خلالها عدة وسائل لتفريق المتضامنين الذين احتضنتهم عائلة السعو.

في "كرم الجاعوني" الشق الشرقي من حي الشيخ جراح قبلت محكمة الاحتلال العليا استئناف الأهالي بشكل جزئي وتقرر عدم إخلائهم حتى البت في ملكية الأرض، وعقد الأهالي على إثر ذلك مؤتمرا صحفيا تمت خلاله مطالبة الملك الأردني عبد الله الثاني بالضغط على الاحتلال لحل القضية، والتأكيد على تصاعد خطر المستوطنين في الحي.

وهكذا يرحل ملف التهجير القسري إلى عام 2023 بالإضافة لملفات تهجير تهدد سكان 6 أحياء في بلدة سلوان والتي يحدق بها خطر هدم المنازل أو الإخلاء لصالح المستوطنين.

 

وادي الربابة.. محطة تهويد مستمرة

منذ احتلال شرقي القدس عام 1967 سيطرت سلطات الاحتلال على معظم أراضي حي وادي الربابة بموجب قانون "حارس أملاك الغائبين"، ومن سنوات تسعى لمصادرة ما تبقى من بادعاءات مختلفة أبرزها "البستنة وإقامة حدائق وطنية".

ومنذ بداية عام 2022 توالت الاعتداءات بحق الأراضي وأصحابها حيث عقدت المحكمة المركزية في القدس جلسة للنظر في استئناف العائلات ضد مصادرة أراضيهم، ثم أصدرت قرارا بتأجيل النظر في قضية أراضي الوادي إلى إشعار آخر.

 

سرقة بستان الحمراء

قبيل انتهاء عام 2022 بأيام استولى المستوطنون على "بستان الحمراء" وهي أرض تتبع لدير الروم الأرثوذكس التابع للبطريركية اليونانية وتبلغ مساحتها 5 دونمات، ويقول المقدسيون إن الاستيلاء عليها جاء بعد تسريبها للجمعيات الاستيطانية ضمن صفقات تسريب الأوقاف المسيحية عام 2004 التي شملت فندقين في البلدة القديمة بالقدس أيضا.

 

ختاما:

رحل عام 2022 مخلفا جملة من الانتهاكات الاستثنائية والملفات التي رُحّلت للعام الجديد مع احتمالات ضئيلة لانتهائها على نحو يُنصف المقدسيين في ظل الواقع الأليم والمستقبل الذي يصفه كثيرون بالقاتم في ظل السياسات الاحتلالية الرامية لاقتلاع الفلسطينيين من العاصمة المقدسة وإحلال المستوطنين مكانهم.

 

مرفق حصاد القدس السنوي بشكل مفصل 👇: